عدد المسلمين في تركيا

عدد سكان تركيا المسلمين

تُعد تركيا دولةً ذات أهمية جيوسياسية وحضارية بالغة في العالمين الإسلامي والعلماني، حيث تقع في نقطة التقاء آسيا وأوروبا، ما يجعلها مركزًا للامتزاج الثقافي والديني والسياسي عبر التاريخ. وقد لعب الإسلام دورًا محوريًا في تشكيل هوية تركيا الثقافية والاجتماعية، سواء في الحقبة العثمانية أو في العهد الجمهوري الحديث. ولأن التركيبة السكانية في تركيا موضوع اهتمام دائم في التحليل الديمغرافي والديني، فإن معرفة نسبة وعدد المسلمين في تركيا يُعتبر مؤشرًا مهمًا في فهم السياسات الداخلية والتوجهات الاجتماعية في البلاد.

تشير الإحصائيات والتقديرات الحديثة إلى أن غالبية السكان في تركيا يعتنقون الإسلام، مما يجعل البلاد واحدة من أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان المسلمين، إلا أن هذا الانتماء الديني يتخذ أشكالًا متعددة من حيث الممارسة، التفسير، والانتماء المذهبي.

أولاً: عدد السكان العام في تركيا

بحسب هيئة الإحصاء التركية (TÜİK)، بلغ عدد سكان تركيا في عام 2024 نحو 85.4 مليون نسمة، موزعين بين الحضر والريف بنسب متفاوتة، مع تركز كثيف في مدن كبرى مثل إسطنبول، أنقرة، وإزمير. تشهد البلاد نموًا سكانيًا معتدلًا مقارنة بدول أخرى، مع تأثير واضح للهجرة الداخلية والخارجية.

ثانيًا: النسبة التقديرية للمسلمين في تركيا

تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن نسبة المسلمين في تركيا تبلغ حوالي 97% إلى 99% من مجموع السكان. هذه النسبة تشمل المسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب، لكنها لا تعني بالضرورة التديّن أو الالتزام الديني من الناحية الشعائرية أو العقائدية، بل تعبر في الغالب عن الهوية الدينية المُعلنة.

بالتالي، إذا أخذنا المتوسط التقديري لهذه النسبة (98%)، فإن عدد المسلمين في تركيا يصل إلى:

85.4 مليون × 0.98 = حوالي 83.7 مليون مسلم

ويُعد هذا الرقم من بين الأعلى عالميًا، إذ تحتل تركيا مراتب متقدمة في قائمة الدول ذات الأغلبية المسلمة، ليس فقط من حيث النسبة، بل أيضًا من حيث العدد الفعلي للمسلمين.

ثالثًا: التوزيع المذهبي للمسلمين في تركيا

يُصنَّف المسلمون في تركيا ضمن طيف واسع من المذاهب والتيارات الدينية، ويمكن تصنيفهم كما يلي:

ويُهيمن المذهب الحنفي على غالبية السنّة في تركيا، وهو المذهب الذي اعتُمد رسميًا في العهد العثماني، في حين تنتشر الطرق الصوفية مثل النقشبندية والرفاعية والبكتاشية بشكل كبير داخل المجتمع التركي، رغم التضييقات التي فرضها النظام الجمهوري في بداياته على المظاهر الدينية.

أما العلويون، وهم طائفة شيعية بطابع تركي، فلهم انتشار واسع في وسط تركيا ومناطق مثل تونجلي وسيواس ومرعش، ولهم تقاليد وممارسات دينية تختلف عن الإسلام السني التقليدي، مما يجعلهم محورًا دائمًا في النقاشات السياسية والاجتماعية داخل الدولة.

رابعًا: أثر العلمانية على التدين في تركيا

منذ إعلان الجمهورية التركية عام 1923، دخلت البلاد مرحلة جديدة من التنظيم الاجتماعي والديني، قادها مصطفى كمال أتاتورك، الذي تبنّى العلمانية كنظام للدولة، وألغى الخلافة الإسلامية، وأغلق الطرق الصوفية، وأدخل إصلاحات قانونية وتعليمية أزالت تأثير الشريعة من الحياة اليومية.

ورغم أن تركيا لا تزال دولة ذات غالبية مسلمة، فإن النظام العلماني انعكس على أشكال التعبير الديني، حيث انخفضت نسب الالتزام الشعائري مقارنة بدول إسلامية أخرى، وارتفعت نسبة “المسلمين الثقافيين” الذين يعرّفون أنفسهم كمسلمين من حيث الهوية والانتماء، دون ممارسة يومية واضحة للشعائر.

تُظهِر استطلاعات الرأي الحديثة أن نسبة الذين يؤدون الصلوات الخمس بانتظام أقل من 50%، وأن نسبة الذين يصومون شهر رمضان أعلى قليلًا، بينما تتفاوت نسب ارتداء الحجاب بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الشرائح الاجتماعية المختلفة.

خامسًا: التعليم الديني والمؤسسات الدينية

رغم الطابع العلماني للدولة، توجد في تركيا مؤسسات دينية قوية وواسعة، يأتي في مقدمتها:

1. رئاسة الشؤون الدينية (Diyanet): وهي مؤسسة حكومية مسؤولة عن تنظيم وإدارة الشؤون الدينية، تأسست عام 1924. تدير المساجد، وتعيّن الأئمة، وتصدر الفتاوى، وتقدم خدمات إسلامية تعليمية وإرشادية. وهي واحدة من أكبر المؤسسات الحكومية من حيث الميزانية، إذ تبلغ ميزانيتها السنوية ما يزيد على 2 مليار دولار.

2. المدارس الدينية (إمام وخطيب): انتشرت منذ السبعينيات والثمانينيات كمدارس ثانوية مختصة في التعليم الإسلامي، ويُقبل عليها الطلاب الراغبون في الجمع بين التعليم الديني والأكاديمي.

3. الجامعات والمعاهد الإسلامية: من أبرزها جامعة إسطنبول للعلوم الدينية، وكلية الشريعة في جامعة أنقرة، وغيرها من المؤسسات التي تُدرّس الفقه، والتفسير، والحديث، والتاريخ الإسلامي.

سادسًا: الإسلام السياسي ودوره في الحياة العامة

لعب الإسلام السياسي دورًا بارزًا في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا منذ منتصف القرن العشرين. وقد أسس نجم الدين أربكان أول حزب إسلامي بارز هو حزب النظام الوطني، ثم تلاه حزب الرفاه، الذي مهّد لاحقًا لتشكيل حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، الذي يحكم تركيا منذ عام 2002.

شهدت تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية نوعًا من “العودة الرمزية” للدين في المجال العام، حيث تم السماح مجددًا بارتداء الحجاب في الجامعات، وزادت برامج تعليم القرآن في المدارس، وعادت الكثير من الرموز الدينية إلى الحياة العامة.

ومع ذلك، بقيت الدولة رسميًا علمانية، وظلت المعارضة السياسية ترفض توسيع الهوية الدينية في المؤسسات الرسمية.

سابعًا: المسلمون في المدن الكبرى والريف

تشهد المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير أنماطًا اجتماعية أكثر علمانية، خصوصًا في الأحياء الراقية والوسطى، في حين يظهر التدين بشكل أوضح في الضواحي وفي مدن الأناضول ووسط تركيا.

في المناطق الريفية، ما تزال القيم الدينية والتقليدية تلعب دورًا رئيسيًا في الحياة اليومية، حيث تُعتبر المساجد مركزًا للنشاط الاجتماعي والديني، وتُمارس العبادات والطقوس الدينية بشكل أوثق، بما في ذلك احتفالات المولد النبوي، وعاشوراء، وليالي القدر.

ثامنًا: أثر الهجرة واللجوء على البنية الديمغرافية الإسلامية

شهدت تركيا موجات ضخمة من الهجرة، خصوصًا من الدول العربية والإسلامية مثل سوريا والعراق وأفغانستان، وهو ما أدى إلى زيادة في عدد المسلمين المقيمين في تركيا، سواء بصفة لاجئين، أو مقيمين دائمين.

تقدّر أعداد اللاجئين السوريين في تركيا بأكثر من 3.5 مليون شخص، جميعهم تقريبًا من المسلمين، وقد أسهم هذا التغير في تعزيز المكوّن الإسلامي الديمغرافي، لا سيما في المناطق الحدودية وفي المدن الكبرى التي تستوعب نسبة كبيرة من اللاجئين.

تاسعًا: الإسلام في الدستور والقانون التركي

رغم أن الدستور التركي ينص على علمانية الدولة، فإنه لا يمنع المواطنين من ممارسة شعائرهم الدينية. وتكفل الدولة حرية المعتقد، وتدير المؤسسات الدينية الرسمية عبر رئاسة الشؤون الدينية. ومع ذلك، تُمنع الجماعات الدينية من ممارسة نشاط سياسي مباشر باسم الدين.

وتُعتبر الأحكام القضائية، والأنظمة التعليمية، والتشريعات المدنية، خالية من الشريعة الإسلامية من حيث النص، لكنها لا تتناقض معها بالضرورة من حيث المضمون في بعض الجوانب، مثل قوانين الأحوال الشخصية.

عاشرًا: المستقبل الديمغرافي والديني للإسلام في تركيا

تشير الاتجاهات السكانية الحالية إلى أن الإسلام سيبقى مكوّنًا رئيسيًا في هوية تركيا، رغم تغير أنماط التدين والممارسة بين الأجيال الشابة. ويُرجح أن تتوسع الهوية الإسلامية الثقافية أكثر من الدينية العقائدية، خاصة في ظل ارتفاع مستويات التعليم، والانفتاح الإعلامي، وتغير أنماط الحياة في المدن الكبرى.

ومن المرجح أيضًا أن تبقى الدولة حريصة على تحقيق توازن بين الطابع العلماني للدستور والهوية الإسلامية للشعب، لتفادي الصدام الاجتماعي وضمان الاستقرار السياسي.

المراجع:

1. هيئة الإحصاء التركية (TÜİK): https://www.tuik.gov.tr

2. رئاسة الشؤون الدينية التركية (Diyanet): https://www.diyanet.gov.tr